الثلاثاء، 16 يناير 2024

(( بعيدا عن الكلام )) بقلم منيرة الغانمي \ تونس


بعيدا عن الكلام
**************
بعيدا عن الكلام .....
إن المتأمل في فترة ما بعد الثورات العربية يرى أن أهم مكسب تحقق لهذه الشعوب الضعيفة والمهمشة هو حرية " الضمير " وهي من المفاهيم المطاطية الفضفاضة الخطيرة بين ظفرين لما أدت إليه من نتائج أخطر على مستوى الواقع و التي لا يمكن حصرها أو تعريفها وقد يكون لنا معها وقفة مستقلة إن أسعفنا الضمير عفوا القلم بذلك وحرية " الكلام "
ولماذا قلت هنا حرّية الكلام وليس حرّية الرأي والتعبير لأن الفرق بين الحرّتين كبير جدا ،
لأن حرّية التعبير تقوم على مقوّمات الفكر الممنهج القويم الذي يرمي إلى الإصلاح بطرح البديل أما حرّية الكلام فهي مجال واسع الكل فيه يتكلم ولا أحد يستمع تقوم على إحداث فوضى خلاّقة لا نخرج منها إلا باتهامات متبادلة لننقسم إلى مناصر ومناهض دون جدوى ولا فائدة.
ومع ذلك أصبحت هذه الحرّيات من الحرّيات الأساسية المكفولة بنص الدستور مثلها مثل الحرّيات العامّة الأخرى التي يتمتع بها الفرد كحرّية السكن والتنقل واللّباس إلخ ..
هذا المكسب اليتيم إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أنّ المحرّك الأساسي لهذه الثورات لم يكن الوعي الفكري بقدر ما كان نتاج طبيعي لكبت وضغوط مُورِسَت على هذه الشعوب لحقبات طويلة
وكلّنا يعلم أن الكبت يولّد لا محالة الإنفجار .
فالثورات جاءت كردّة فعل ، عفوية وانفعالية ،على رفض الشعب لكلّ أشكال السيطرة والهيمنة والقمع الذي مارسه النّظام والّذي شمل جميع المستويات ، منها الفكري ، إذ كان يسعى جاهدا لشحذ كل القاعدة في اتجاه فكري واحد موّحد ، حيث لا يُقبل بالاختلاف في الرأي ويتم اقصاء كل مختلف اختلافا حقيقيا في المنهج والفكر واستبعاده بأي شكل من الأشكال ، وقلت هنا إختلافا حقيقيا لأن ما كان قبل الثورات من معارضة هي في حقيقة الأمر ليست بالمعارضة الحقيقية البنّاءة التي تخدم الفرد والمجتمع بطرحها للبدائل الجيدة بل هي معارضة مُؤَطرة وعلى مقاس نظام القائد الواحد حتى أنها كانت لا تخرج حينها عن تمرير سياسته بشكل يختلف شكلا لا جوهرا عبر ما يسمح لها به من وسائل وآليات .
\
بقلم .. منيرة الغانمي ـ تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق